Friday, April 14, 2017

جواب الشيخ إلياس عن بعض الانتقادات المثارة حول نصيحته بالرفق

بسم الله الرحمن الرحيم

*إلى أخي في الله حسين بن محمد السلطي* – سلمه الله-
السلام عليكم ورحمة الله

أما بعد: فقد وقفت على كلامك الذي صدر بالأمس في التعقيب على بعض ما جاء في محاضرة لي ألقيتُها في نُصح بعض من نزعوا إلى الغلو في التصنيف، وفتحوا الباب لمن يطعن في السنة وأهلها وهم لا يشعرون.

وأودّ – أولا- أن أشكر لك رغبتَك في مناصحة أخيك، وتقديمَك له هذه الملحوظات، وحُسنَ أدبك في النقد، وهذا شأن من يريد الخير لنفسه ولغيره.

هذا، وقد رأيت في تعقيبك أمورًا أحببت التنبيه عليها - على عجالة -:

👈 *منها*: ما ذكرتَه من أنك طلبت مني اللقاء قبل أكثر من شهرين _"للمباحثة والمناقشة والمناصحة.."_ إلا أني لم أردّ عليك؛
فكلامك ربما أوهمَ بأنك أعلمتني بمقصودك من اللقاء، وليس الأمر كذلك؛ إذ إنها رسالة واحدة على الواتس ذكرتَ فيها أنك ترغب في اللقاء بي، ليس إلا!

👈 *ومنها*: قولك عن المحاضرة:  _"أثرت في بعض النفوس الضعيفة،  وفرح بها الحزبيون لما في النصيحة من الإطلاقات.."_؛

*فأقول*: إن كان تأثُر الناس وفرحُهم بسبب ما حوته من الصواب، والتقريرِ الموافق للسنة والكتاب؛ فلا يتوجه اللوم على صاحب الكلمة، إذ ليست إغاظةُ المخالفين في كل حال من مقاصد الشريعة.
وليس فرح بعض الناس من المخالفين ببعض الأقوال دليلا على سقوطها، أو على موافقة القائل لهم في مقالاتهم المخالفة للكتاب والسنة.

ولا يلزم المتكلمَ - بل ولا ينبغي له- أن يقصد بكلامه إرضاء بعض الناس وإغضاب آخرين.
-    قال أبو هشام الرفاعي: سمعت وكيعا يقول: *أهل السنة يروُون ما لهم وما عليهم، وأهل البدعة لا يروون إلا ما لهم*
وقال عبدالرحمن بن مهدي: *أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم.*
وأما إن كان فرحهم بالكلمة من أجل توهّمهم موافقةَ المتكلم على أهواءهم؛ فهذا سبيل لستُ في بأَوْحدِ!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فغير الرسول إذا عبر بعبارة موهمة مقرونة بما يزيل الإيهام كان هذا سائغاً باتفاق أهل الإسلام، وأيضاً، فالوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلم؛ لم يكن على المتكلم بذلك بأس. ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يُتوهم من ألفاظهم خلافُ مرادهم، بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم؛ ولا يقدح ذلك في المتكلمين بالحق، ثم غاية هذا أن يكون بحثاً لفظياً، والبحوث اللفظية لا توجب خلافاً معنوياً..)) اهـ من "الرد على البكري" (ص- 399)

وأما ما أشرت إليه من الإطلاقات،  ففي كلامي من البيان والتفصيل ما يتبين به مقصودي، ومع ذلك أقول من باب التنزل معك في الحوار: لا يلزمني ذكر التفصيل الذي يريده بعض الناس ويُذهب غيظ قلوبهم على مخالفيهم.
والإجمال إذا لم يوقع في اللبس لا يكون مذموما على إطلاقه،  والنصوص التي هي الحَكم بيننا لم تَرد مجتمعةً في مورد واحد في البيان!  فانظر -مثلا- إلى صيغة العموم في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( *إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍإِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ* )) . وهل يُستشكل هذا التعميم لكونه لم يتقيد ببعض الأحوال في السياق نفسه؟

 وقد جاء في النصوص من الحث على الرفق والتأكيد عليه ما لو تكلم متكلم بعُشر أمثاله لاتهمه بعض الناس بالتمييع! وكم لعلماءنا قديما وحديثا من مثل هذا الإطلاق. 
ولو أراد معترض أن ينكر عليك استشهادك بأبيات من النونية في كلامك عن الإجمال والتفصيل لفعل؛ لأن سياق كلام ابن القيم إنما هو في الألفاظ المبتدعة التي يأتي بها أهل الكلام وهي تحتمل الحق والباطل.. كالقول بأن اللفظ بالقرآن مخلوق، أو غير مخلوق.

نعم، من أراد معرفة أحكام الشرع في المسائل والأحوال وجب عليه الجمع بين النصوص وحمل المطلق على المقيد، والعام على الخاص، والمجمل على المبيّن.. ونحو ذلك.
لكن ليس بلازم على كل من ألقى كلمة ذِكرُ ما خرج عن هذا الأصل،  لا سيما إذا كان الخطاب موجها إلى من صارت الشدة ظاهرةً فاشية بينهم، ولا سيما إن كانوا من المنتسبين إلى السنة؛ فلا بد من تسكين الروعة وردِّهم إلى الأصل، فكما أن الإجمال يوقع في اللبس أحيانا؛ فكذلك التفصيل قد يجعل بعض الناس يفسّر تصرفاته على الجانب الصحيح الذي يُذكر في التفصيل، كأنه قد وضع الشدة في موضعها، وكأن النصيحة لا تعنيه من قريب أو بعيد، والواقع خير شاهد على ذلك.

وأعرف من الناس من كان يظن أن الكلام في تحريم الغيبة لا يزال فيه نقص حتى يقترن به بيان جوازها في حق المبتدعة، وأن الكلام في الرفق واللين لا يزال ناقصا حتى يقترن به بيان مشروعية الشدة.. ونحو ذلك.
ولا أعلم أحدا من أهل العلم قرر ذلك!
 والعجب من بعض الإخوة أنهم ينكرون إطلاق ما كان أصلا في بابه كالرفق في الدعوة، ثم يطلقون نصوص الشدة التي أُثرت عن السلف دون ذكر القيود! ولا يكادون ينصحون متابعيهم بخلاف ذلك؛ فينشأ بسبب ذلك ناشئة من الغلاة، حتى إذا استشرى الفساد، واستعلى منهم العناد: لم يسمعوا لناصح أو منادٍ.  لكن: يداك أوكتا وفوك نفخ!

👈 *ومنها*: ما نقلتَه عني في تفسير بعض آثار السلف: _أن العبارات التي يطلقها بعض أئمة السلف - وفيها غلظة وشدة على أهل البدع- *تُحمل* على أمور ثلاثة.._

*أقول*: هذا اللفظ الذي نسبته إليّ إنما هو فهمٌ حصّلته من كلامي؛ وإلا فإني إنما قررتُ أنه ينبغي أن *نتأمل* ثلاثة أمور قبل تنزيل هذه الآثار التي فيها التغليظ في القول والأسلوب على الأعيان!
والفرق بين العبارتين أنّ التي أوردتها منسوبةً إليّ يُفهم منها حصرُ العلل في ثلاثة الأمور، بخلاف ما جاء في كلامي؛ فإن المقصود منه أن لهذه الأمور – مجتمعةً، أو متفرقة –  أثرًا على صدور تلك العبارات الغليظة عنهم وأساليبهم فيها، وقد يكون مناطُ القسوة فيها هذه الأمورَ.

مع أن كلامي كان منصبّا على العبارات الشديدة التي صدرت عن آحاد أئمة السلف، لا في أصل الهجر ولا في التحذير من أهل الأهواء الذي اتفقوا عليه!

 ولذا قررتُ في بداية كلامي على المسألة أن الآثار السلفيه في هذا الباب تشترك في التحذير من البدعة وأهلها.
هذا، وقد قررت أيضا في تلك المحاضرة - فضلا عن غيرها- مشروعية الشدة إن كان فيها مصلحة راجحة.

👈 وأما استشكالك أثرَ هذه الأمور الثلاثة في تغليظ كلام السلف على المخالفين، وإنكارك لها فغريب؛ ولعل سبب ذلك توهّمُك الحصرَ فيها، وقد سميتَها أنت "تقسيمات"! وليست من التقسيم في شيء.

 *أما الأمر الأول* – وهو كون بعض العبارات صادرةً عن أئمة مطاعين يقتدى بهم-؛ فيا ترى لو صدر مثلها عمن ليست كلمتُه مسموعةً - سيما في عصرنا - أترى الناس يُذعنون له؟
*وأما الثاني* – وهو أن الظهور كان لأهل السنة -؛ فهل ترى أن تطبيق تلك الأساليب في مكان يقِلُّ فيه أهل السنة ويكون الظهور فيه لأهل البدع: يترتب عليه ترغيب الناس في السنة ورفع شأن أهلها؟
ألم يكن السلف أنفسهم يفرقون بين الأماكن التي كثرت فيها البدع وغيرها؟ فانظر - مثلا - ما فِي مَسَائِلِ إسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ - وَذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي "كِتَابِ السُّنَّةِ" فِي بَابِ مُجَانَبَةِ مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ - عَنْ إسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ [الإمام أحمد]: مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ؟ قَالَ: أَلْحِقْ بِهِ كُلَّ بَلِيَّةٍ. قُلْت: فَيُظْهِرُ الْعَدَاوَةَ لَهُمْ أَمْ يُدَارِيهِمْ؟ قَالَ: *أهل خُرَاسَانَ لَا يَقْوَوْنَ بِهِمْ*. (مجموع الفتاوى 28/210)

وقال شيخ الإسلام: ((وَجَوَابُ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ مَبْنِيٌّ  عَلَى هَذَا الْأَصْل، وَلِهَذَا كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَمَاكِنِ الَّتِي كَثُرَتْ فِيهَا الْبِدَعُ كَمَا كَثُرَ الْقَدَرُ فِي الْبَصْرَةِ وَالتَّنْجِيمُ بِخُرَاسَانَ وَالتَّشَيُّعُ بِالْكُوفَةِ وَبين مَا لَيْسَ كَذَلِكَ..)) (الفتاوى 28/206)

*وأما الأمر الثالث* – وهو أن لِغلظة البدعة وبُعدِ أهلها عن السنة أثرا في كيفية التعامل معهم؛ فذلك أن البدع على درجات، كما أن أهلها على درجات.
قال شيخ الإسلام: ((وَمِمَّا يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الطَّوَائِفَ الْمُنْتَسِبَةَ إلَى مَتْبُوعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَالْكَلَامِ عَلَى دَرَجَاتٍ: مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ قَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ فِي أُصُولٍ عَظِيمَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إنَّمَا خَالَفَ السُّنَّةَ فِي أُمُورٍ دَقِيقَةٍ.. الخ)). (الفتاوى 3/348)

ولا شك أن بدعة الجهمية الأولى من أغلظ البدع التي اتفق السلف على تكفير أصحابها من حيث الوصف؛ فلا غرو أن تقسوَ عباراتهم فيهم، ويشتدَّ تنفيرهم منهم، ويُلحقوا بهم أبشع الأوصاف.

ومع ذلك: *لم يصدر مني قطّ أن تلك الشدة كانت خاصة بهؤلاء! ومن نسب إلي ذلك فقد غلط!* فالمنبغي لمن أشكل عليه شيء من كلام متكلمٍ: أن يراجعه فيه قبل أن ينسب إليه شيئا بما حصّله من فهم كلامه، كما أن من أراد نقل كلامه فالأولى أن ينقل ألفاظَه، لا أن يكتفي بما فهمه من المعنى.

ومن العجيب أنك نقلتَ استشهادي بقول شيخ الإسلام: ((وكَثِيرٌ مِنْ أَجْوِبَةِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ خَرَجَ عَلَى سُؤَالِ سَائِلٍ قَدْ عَلِمَ الْمَسْئُولُ حَالَهُ أَوْ خَرَجَ خِطَابًا لِمُعَيَّنٍ قَدْ عَلِمَ حَالَهُ؛ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَضَايَا الْأَعْيَانِ الصَّادِرَةِ عَنْ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا فِي نَظِيرِهَا. فَإِنَّ أَقْوَامًا جَعَلُوا ذَلِكَ عَامًّا فَاسْتَعْمَلُوا مِنْ الْهَجْرِ وَالْإِنْكَارِ مَا لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ.. الخ)) (الفتاوى 28/213)

ثم عقبتَ عليه بقولك: _"كلام شيخ الإسلام لا علاقة له بالموضوع البتة؛ فإن شيخ الإسلام إنما يتكلم في مسألة الهجر المشروع والممنوع.."_

*أقول*: وهل بحثُنا إلا في ذلك؟ أوليس استعمال الهجر من الشدة؟  فالنقل في صلب الموضوع – بارك الله فيك-.

👈 ثم لا يخفى عليك أن مسائل الهجر والشدة من الأمور المعقولة المعنى التي تخضع لمراعاة المصالح والمفاسد. وتقريراتُ العلماء في هذا كثيرة. (انظر على سبيل المثال في مجموع الفتاوى 28/206)

فعلى هذا:
((َإِذَا عُرِفَ مَقْصُودُ الشَّرِيعَةِ سُلِكَ فِي حُصُولِهِ أَوْصَلُ الطُّرُقِ إلَيْهِ.)) (الفتاوى 28/207)

فعليه: إذا كنا نتفق على أن أقوال السلف قد آتت أكلها، وحصل بها من النفع ما قدره الله من نصر السنة وتبصير العامة، وقمعِ البدعة والتحذير من أهلها؛ فانظر بعين الإنصاف إلى واقعنا اليوم -شرقا وغربا-: هل حصل هذا المقصود من تصرفات بعض المتحمسين من الشباب وغيرهم الذين يحاكونهم– وهم من وَجَهتُ نصيحتي إليهم-؟ّ! أم كان الأمر بخلاف ذلك؟


وبهذا يُعلم أنما اعترض به بعض الإخوة – قبلك - في مسألة الشدة على المبتدعة: لم ينطلق من تحرير محل النزاع أصلا.

👈 وكذا اعتراضك علي في التعليق على أثر الفضيل بن عياض: ((..من تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع)) فلا يخلو من نظر من وجوه:

*أولا*: لم أجزم في كلامي أنالفضيل الفضيل إنما قال ذلك في الجهمية الأولى، بخلاف ما نسبتَه إلي بقولك: _"وأكّد أن هذا الكلام من  كان في الجهمية المحضة الأولى"_! فأعِدْ سماع كلامي المسجل –حفظك الله-.
*ثانيا*: ليس كلامي في مجرد النهي عن اتباع جنازة المبتدع، بل في أمرين: أحدهما: ما يَفهمه  بعض الناس من هذا الأثر من نهي عموم المسلمين عن اتباع جنازة المبتدع ودفنه، ولا شك أن المبتدع الذي لا يكفر ببدعته لا يجوز ترك دفنه من قِبل المسلمين كلِّهم كالكافر بالإجماع. وهذا الفهم هو الذي وصفتُه في كلامي بمصادمة الحديث. ولذلك ذكرتُ *الاحتمال* الذي أشرت إليه  من أن هذا في الجهمية الأولى.

ويؤيد هذا:
الأمر الثاني: وهو استشكالُ جزمِ الفضيل - رحمه الله- بأن من تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع؛ فلا يخفى على مثلك أن مثل هذا الوعيد يفتقر ثبوتُه إلى دليل مرفوع.

*ثالثا*: ما نقلتَه عن المشايخ الذين شرحوا كلام الفضيل وغيرهم مستشهدا على أنهم لم يحصروا دلالة قوله على الجهمية الأولى، وأنهم أطلقوا العبارة في أن هذا الأثر فيه زجر عن معاشرة المبتدعة ونحو ذلك؛ فهذا كله بعيد عن تحرير محل النزاع، إذ لا خلاف بيننا فيه أصلا. 

*رابعا*: لم أُنكر تركَ الصلاة على المبتدع أو العاصي ولا تركَ اتباعِ جنازتِهما لمن كان من العلماء وغيرهم من الكبار الذين يُقتدى بهم على سبيل الهجر؛  بل صرّحتُ بمشروعية ذلك في المحاضرة نفسها – في النصيحةِ الثانيةَ عشْرةَ - أثناء إيرادي لأثرٍ عن سهل بن عبد الله التستري.

وهذا موافق –تماما- لما نقلتَه أنت عن الشيخ ربيع في شرح أثر الفضيل السابق حيث قال : "هذا للعلماء والأئمة الكبار المعتبرين في الناس، لهم ألا يصلوا على المبتدع عقوبة له، لكن مع ذلك لا يحرم أهل السنة الصلاة على المبتدع ولا اتباع جنازته... فمن كان له وجاهة وله أثر في التخلف عن المشاركة في دفنه وتشييعه؛ له أثر بذلك بحيث إن الناس يستفيدون منه الحذر من البدعة التي كان عليه الميت:  فذلك أمر مطلوب، *ولا يقال: إنه لا يزال في سخط الله*..؛ *لأن هذا يحتاج إلى نص من الشارع، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله*." اهـ.

فتبين بهذه الأوجه كلها أن اعتراضك كان في غير محله، وليتك - أيها الحبيب- حقّقتَ المناطَ في الكلام، وحررت النزاع قبل الخصام.

👈 *ومنها*: قولك: _"إذا كان الأمر كما ذكر الأستاذ فلماذا ندرس هذه الكتب ولماذا يشرحها علماء أهل السنة المعاصرين على عمومها؟ ولماذا ينصحون بقراءتها والاستفادة منها؟"_

*‌فأقول:* هذا شيء لا يحتمله كلامي أصلا.

ثم يقال: هل لا يوجد في كتب السلف من العلم إلا الكلام الغليظ في المبتدعة؟ أوليس فيها من تقرير الدلائل وتحرير المسائل في العقيدة وغيرها، ما يشفي الصدور؟

👈‌ وكذا قولك: " _ولست أدري لماذا تستنكر الشدة على أهل البدع !؟ فكأنها ليس لها أدلة من الكتاب والسنة، وكأن السلف ما عملوا بها.._"

*فجوابه*: أني لم أنكر الشدة حيث كانت نافعة، كما صرحت في المحاضرة وغيرها، لكن أرى أن تغليب الرفق أولى في أكثر الأحيان في هذا العصر الذي هو عصر الانفتاح على المعلومات.
ولا ينبغي أن يحملنا الانتصار لمواقفنا على إنكار أثر هذا الواقع المرير، والله المستعان.

ثم قد يُقلب عليك هذا فيقال: لماذا يُستنكر الرفق واللين مع كثرة الأدلة عليهما؟

👈 *ومنها*: قولك في الحلقة الثانية - عن نقلي لقول الشيخ ابن باز: ((هذا العصر عصر الرفق))-: _"فهذا تلبيس وتدليس على العوام وعلى من يجهل منهج الشيخ - رحمه الله- في الدعوة إلى الله، فقد كانت له مواقف كثيرة فيها شدة على أهل البدع.."_

وإطنابك في نقل بعض كلام الشيخ في الشدة على المخالفين؛

*فأقول*: عفا الله عنك وعمّن راجع مقالك وناقشوه حتى صدر إثر موافقتهم! هل كنتُ بصدد تقرير منهج الشيخ أو استيعاب مواقفه مع المخالفين حتى يكون كلامي تدليسا وتلبيسا؟!

 إنما نقلتُ نصّ قوله من غير اختزال عن سياقه وسباقه، ولم أغيّر مضمونه في إيراده، ولا استعملته في غير مراده.
 أم يلزم عندك نقل مواقف العالِم مع اختلاف الأحوال حتى يصح الاستشهاد ببعض كلامه؟ فإن كان لا بد من استقصاء القيود بجمع كلام المتكلم في مقام الاستشهاد؛ فمقام النقد أولى بذلك؛ فما منَعَك أن تفعل ذلك في كلامي؟ ألم تجد في شيء من كلامي المكتوب والمسموع - مما ذاع وشاع، وملأ الأسماع - ما فيه شدةٌ على المخالفين؟

👈 وعلى كل حال فإني لا أبرئ نفسي من الخطأ، وأرجو أن يكون الخلاف بيني وبين بعض إخوتي في اللفظ والأسلوب.
وأنصح من يسعى منهم لسد الذريعة المفضية إلى تمييع العقيدة والتفريط في حفظ حدودها: أن يكون له جهد في سد باب الغلو أيضا؛ فإن وراءهم مِن العوام وصغار الطلبة مَن يحاكيهم من غير أهلية، ولا وضعٍ للأمور في نصابها، ولا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين!

وقد جاء عن ابن مسعود قوله:
(( *وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشَدَّ عَلَى الْمُتَنَطِّعِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَإِنِّي لَأَرَى عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَانَ أَشَدَّ خَوْفًا عَلَيْهِمْ، أَوْ لَهُمْ.*))

 هذا، وإني أرى أن في بذل الجهد في تحصيل العلم النافع والدعوة إلى التوحيد والسنة المحكمة وبيانِ مسائل الشريعة للعامة ما يشغل طالب العلم عما كان دون ذلك في الأهمية. ولذلك أعتذر إليك مسبقا توقّفي عن مثل هذا الحوار معك فيما نويتَ إخراجه من التعقيبات اللاحقة على كلامي، إذا لم تكن مبنية على تحرير محل الوفاق والخلاف.

والله من وراء القصد.

حرره: *إلياس بن أحمد*
في يوم الجمعة - السابع عشر من شهر رجب - من عام ١٤٣٨ هـ.

No comments:

Post a Comment